فرنسا في 2024- أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة في ظل حكومة جديدة متعثرة

المؤلف: رامي الخليفة العلي10.23.2025
فرنسا في 2024- أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة في ظل حكومة جديدة متعثرة

مع انتهاء عام 2024، كشف فرانسوا بايرو النقاب عن حكومته الجديدة، وهي ثاني تشكيلة وزارية تظهر إلى الوجود في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. ومع ذلك، فإن الآمال المعلقة على استقرار هذه الحكومة تبدو ضئيلة، وذلك بسبب أزمة سياسية عميقة الجذور تضرب صميم السلطة التشريعية. فالجمعية الوطنية، التي تفتقر إلى الأغلبية الحاسمة، تشهد انقسامًا حادًا على المستويين الأيديولوجي والسياسي، مما يجعل التوصل إلى توافق حول أي حلول أو إصلاحات أمرًا بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلًا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لجأ إلى حل الجمعية الوطنية في شهر مايو الماضي، ارتكب خطأً إستراتيجيًا فادحًا. فبدلًا من تحقيق الهدف المنشود، وهو حشد الأحزاب السياسية للاصطفاف خلفه لمواجهة المد المتصاعد لليمين المتطرف، جاءت النتائج على عكس كل التوقعات. إذ شهدت الانتخابات تقدمًا ملحوظًا لقوى اليسار واليسار المتطرف، التي ينظر إليها ماكرون بعين الريبة والرفض. وفي هذا السياق المتأزم، تحول البرلمان إلى ساحة معركة انتخابية، حيث يسعى كل طرف لاستغلال منصته لتحقيق مكاسب سياسية شخصية على حساب المصلحة العامة العليا. وفي خضم هذه الأزمة السياسية المتفاقمة، تواجه فرنسا أيضًا تحديات اقتصادية ومالية بالغة الخطورة. فقد وصل الدين العام إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، حيث بلغت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي 112.5% في الربع الأول من عام 2024، مقارنة بنسبة 111.8% في نهاية عام 2022. وتتجاوز هذه الأرقام بشكل كبير الحد الذي وضعه الاتحاد الأوروبي عند 60%، مما يضاعف الضغوط الهائلة على الاقتصاد الفرنسي المتعثر. أما عجز الموازنة، فقد سجل نسبة 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، متجاوزًا التقديرات الحكومية التي توقعت نسبة 4.9%. ويعزى هذا العجز المتزايد إلى عدة عوامل رئيسية، من أبرزها: تراجع الإيرادات الضريبية، حيث انخفض صافي الإيرادات بمقدار 7.8 مليار يورو، مما يعكس بوضوح ضعف الأداء الاقتصادي العام.

زيادة الإنفاق الحكومي: على الرغم من المساعي الحثيثة التي بذلتها الحكومة لتقليص النفقات، إلا أن الارتفاع الكبير في تكاليف دعم الطاقة والتضخم المتزايد أدى إلى زيادة المصاريف بشكل ملحوظ.

هذه التحديات المالية الهائلة لم تمر مرور الكرام دون أن تخلف وراءها تداعيات خطيرة ومقلقة. فقد تجاوز عجز الموازنة الحد الأوروبي البالغ 3%، مما دفع المفوضية الأوروبية إلى ممارسة ضغوط شديدة على فرنسا لاتخاذ إجراءات تقشفية صارمة ومؤلمة. علاوة على ذلك، قامت وكالة «ستاندرد آند بورز» بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي لفرنسا إلى «AA-» في يونيو 2024، وهو أول خفض من نوعه منذ أكثر من عقد كامل. وفي ظل هذه المعطيات الصعبة والمعقدة، تبدو فرنسا عالقة في دوامة من الأزمات المتعددة الأوجه. فالحكومة مطالبة بشكل ملح باتخاذ تدابير إصلاحية جذرية وشاملة تتضمن زيادة الضرائب وفرض سياسات تقشفية صارمة، إلا أن الانقسامات العميقة داخل الجمعية الوطنية والحكومات الضعيفة تجعل هذه المهمة شبه مستحيلة التنفيذ. الرئيس ماكرون، الذي بات في موقف ضعيف أمام معارضة متشددة وعنيدة، يواجه تحديًا غير مسبوق لإيجاد مخرج من هذا النفق المظلم والغامض. ولكن الواقع السياسي والاقتصادي المرير يشير بوضوح إلى أن فرنسا قد تستمر في السير بخطى ثابتة نحو مزيد من الأزمات والمصاعب، ما لم تحدث معجزة سياسية أو اقتصادية تعيد الاستقرار المفقود إلى البلاد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة